¤ التعريف بعيسى عليه السلام:
*أولاً= اسمه ونسبه:
ذكر الله تعالى اسم عيسى عليه السلام ونسبه في كتابه العزيز في قوله سبحانه: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران 45]، فإسمه المسيح عيسى ابن مريم.
وذكر المفسرون سبب تسميته بالمسيح، فقال بعضهم: لكثرة سياحته، وقيل: لأنه كان مسيح القدمين لا أخمص لهما، وقيل: لأنه كان إذا مسح أحداً من ذوي العاهات برئ بإذن الله تعالى، وقوله تعالى {عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} نسبة إلى أمه، إذ لا أب له.
* ثانياً= ولادتـــه:
جاءت البشرى إلى مريم بعيسى عليهما السلام بقوله سبحانه: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ...}، وحيث أن مريم عليها السلام عذراء لم تتزوج، تعجبتْ كيف يأتيها الغلام فتساءلت {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} فجاءها الجواب من العلي القدير الذي لا يعجزه شيء {قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون}، وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول سبحانه وتعالى: {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا}.
ثم يواصل السياق القرآني تفاصيل الحمل والولادة، فيقول جل شأنه: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا} فتم لها الحمل بأمر من الله الذي يقول للشيء كن فيكون، وعندما جاءت ساعة الولادة {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا}، فأوحى إليها الإله تعالى {أن لَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا*وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا*فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم:24-26] أي: حين أحست بالطلق تمنت الموت لأنها عرفت أنها ستُبتلى وتمتحن بهذا المولود، الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم -فيما يظنون- عاهرة زانية، فجاءها الأمان من ربها، وأمرها أنها إذا رأت أحداً من البشر أن تقول على وجه الإشارة {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} أي: سكوتاً {فلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} أي: لا تخاطبيهم بكلام، لتستريحي من قولهم وكلامهم، وكان معروفاً عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة، وإنما لم تؤمر بمخاطبتهم في نفي ذلك عن نفسها، لأن الناس لا يصدقونها، ولا فيه فائدة، وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد، أعظم شاهد على براءتها.
وبعد ذلك {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا*يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:27-28]، ذهبت مريم إلى قومها وهي تعلم براءة نفسها مع ثقتها من تبرئة الله لها، فعندما قال لها قومها تلك المقولة، وعجبوا من ذلك أشارت إلى وليدها، وهي تعلم أنه ليس من أهل الكلام حتى يتولى الرد عنها، ولكن من إيمانها بربها وثقتها به فعلت ذلك فأنطق الله صاحب المهد ببراءتها ونزاهتها، فنطق عيسى عليه السلام بعد هذه الإشارة {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا*وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا*وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا*وَالسَّلَامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم:30-33].
المصدر: اللجنة العلمية لموقع دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.